النقطة الأولى طـرق اثبات وثاقة الـراوي
وفي مجال بحثنا عن النقطة الأولى نقول: ذُكرت عدة طرق لاثبات وثاقة الراوي() انهاها الوحيد البهبهاني إلى تسع وثلاثين طريقاً، نتعرض إلىالمهم منها وهو: ـ
1- نص احد المعصومين (عليهم السلام)
إذا نص المعصوم (عليه السلام) على وثاقة راو معين فلا اشكال في ثبوت الوثاقة بذلك.
وقد جمع الكشي في كتابه المعروف كثيراً من الروايات الواردة في حق الرواة، بل ان كتابه المذكور ليس إلاّ جمعاً لتلك الروايات.
مثال ذلك: ما ذكره ـ الكشي ـ في ترجمة محمد بن سنان تحت رقم 965 بسنده المنتهي إلى محمد بن اسماعيل بن بزيع: ان أبا جعفر (عليه السلام) كان يلعن صفوان ابن يحيى ومحمد بن سنان، فقال انهما خالفا أمري.
قال فلما كان من قابل قال أبو جعفر (عليه السلام) لمحمد بن سهل البحراني تولَّ صفوان بن يحيى ومحمد بن سنان فقد رضيت عنهما.
ان رضا الإمام (عليه السلام) عن صفوان ومحمد بن سنان قد يفهم منه الفقيه توثيق الشخصين المذكورين كما هو ليس ببعيد.
وينبغي الالتفات إلى ان الرواية التي تدل على توثيق شخص لا بدَّ وانلا يكون الراوي لها عن المعصوم (عليه السلام) نفس الشخص الذي يراد اثبات وثاقته و إلا كان ذلك أشبه بالدور.
مثال ذلك: ما ذكره الكشي في كتابه تحت رقم 758 في ترجمة علي بن أبي حمزة البطائني ـ الذي وقع الاختلاف الشديد في وثاقته ـ من ان أبا الحسن (عليه السلام) قال له: قد سألتُ الله ان يغفر لك.
ان الرواية المذكورة لا يمكن الاستناد إليها في اثبات وثاقة البطائني لأن الراوي لها عن الإمام (عليه السلام) هو نفسه.
ومن الغريب ما ذهب إليه بعض الأعلام من كفاية مثل ذلك في اثبات التوثيق اما بدعوى ان الشيعي لا يكذب على إمامه ولا ينسب له رواية كاذبة أو بدعوى ان مثل الرواية المذكورة تفيد الظن بالوثاقة، والظن حجة فيباب التوثيقات.
وممن يظهر منه تبني هذا المسلك المحدث النوري في ترجمة عمران ابن عبد الله القمي، فانه قال ما لفظه: «روى الكشي خبرين فيهما مدح عظيملا يضر ضعف سندهما بعد حصول الظن منهما»().
ويرد على الدعوى الأولى ان الإمامي غير الملتزم بخط الشريعة لا مانع له من الكذب على إمامه، واقصى ما يحصل هو الظن بعدم صدور الكذب منه، ومطلق الظن ليس حجة.
كما ويرد على الدعوى الثانية ان اثبات حجية الظن في باب التوثيقات يحتاج إلى دليل، وهو مفقود.
2- نص بعض الرجاليين المتقدمين
الرجالي الذي يقوم بالتوثيق والتضعيف تارة يكون من المتقدمين كالنجاشي والشيخ الطوسي وأُخرى يكون من المتأخرين كالعلاّمة وابن طاووس.
والذي يراد الإشارة له الآن هو نص بعض الرجاليين المتقدمين على وثاقة شخص، واما نص بعض المتأخرين فتأتي الإشارة له فيما بعد ان شاء الله تعالى. والوجه في حجية توثيق المتقدمين ـ على ما قيل ـ هو ان مثل النجاشي ثقة، وحيث ان خبر الثقة حجة بالسيرة العقلائية الممضاة من قبل الشارع بسبب عدم الردع فتثبت حجية توثيق مثل النجاشي.
والإخبار عن الوثاقة وان كان إخباراً عن موضوع من الموضوعات()وليس اخباراً عن حكم شرعي إلاّ ان دليل حجية خبر الثقة ـ وهو السيرة العقلائية ـ عام للإخبار عن الموضوع أيضاً خلافاً لبعض حيث اختار اختصاص الحجية بما إذا كان الإخبار عن حكم.
لا يقال: إن خبر الثقة وان كان حجة بالسيرة العقلائية إلاّ ان ذلك فيما إذا كان الإخبار اخباراً عن حس دون ما إذا كان عن حدس واجتهاد، ومن الواضح ان النجاشي حينما يوثّق زرارة مثلاً فحيث انه ليس معاصراً له كان اخباره عن وثاقته إخباراً عن حدس لا عن حس.
فانه يقال: إن النجاشي وان لم يكن معاصراً لزرارة إلاّ ان إخباره عن وثاقته يحتمل كونه إخباراً عن حس، ومع احتمال كونه عن حس يلزم البناء على ذلك ـ أي كونه اخباراً عن حس ـ لإصالة الحس العقلائية عند دوران الإخبار بين كونه عن حس أو عن حدس.
اذن لنا دعويان لا بدَّ من اثباتهما: ـ
احداهما: ان إخبار النجاشي عن وثاقة زرارة يحتمل كونه عن حس.
ثانيتهما: لا بدَّ من البناء على الحس عند الدوران بينه وبين الحدس.
اما بالنسبة إلى الدعوى الأولى فيمكن ان يقال في اثباتها ان مجرد عدم المعاصرة الزمنية بين زرارة والنجاشي لا يستلزم كون اخباره عن وثاقته إخباراً عن حدس، فنحن نخبر عن وثاقة الشيخ الطوسي والأنصاري والآخوند الخراساني ونظائرهم من علمائنا المتقدمين، ولكن هل ان اخبارنا عن ذلك اخبار عن حدس؟كلا انه اخبار عن حسن، فان وثاقة امثال هؤلاء الأعلام واضحة في زماننا كوضوح الشمس في رابعة النهار.
ونفس الشي يمكن ان نقوله في توثيق النجاشي لزرارة فان الكتب الرجالية المعدَّة للتوثيق والتضعيف كانت كثيرة في الفترة التي عاشها النجاشي والشيخ الطوسي وحصل الوضوح نتيجة تلك الكتب.
ولعل أول من تصدَّى للتأليف في هذا المجال هو الحسن بن محبوب الراوي الجليل حيث ألفَّ كتابه المعروف بالمشيخة() وتلته كتب أخرى على ذلك المنوال.
وقد تصدى الشيخ أغا بزرك الطهراني (قدس سره) بجمع من الَّف في المجال المذكور في كتاب سماه بمصفى المقال ذكر فيه ما يزيد على مائة تأليف.
ومما يؤكد ما نقول تعبير الشيخ الطوسي في عدته حيث قال: «انا وجدنا الطائفة ميزت الرجال الناقلة لهذه الأخبار فوثقت الثقات منهم وضعفت الضعفاء... وصنفوا في ذلك الكتب...».
والنجاشي يعبر احياناً في ترجمة بعض الرواة ويقول: «ذكره اصحاب الرجال».
واما بالنسبة إلى الدعوى الثانية فيمكن ان نقول في اثباتها ان العقلاء إذا اخبرهم ثقة بخبر فلا يأخذون بالتدقيق معه وان اخبارك عن حس أو عن حدس بل مادام يحتمل نشوؤه عن حس فهم يبنون عليه.
هكذا قيل في توجيه توثيقات المتقدمين().
اشكال وجواب
ومن خلال ما ذكرناه يتضح اندفاع الاشكالين التاليين: ـ
1- ما افاده الشيخ فخر الدين الطريحي في كتابه المعروف بتمييز المشتركات حيث ذكر ان توثيقات المتقدمين بما انها مبنية على الحدس دون الحس فيشكل الاعتماد عليها.
والجواب: ان احتمال نشوئها عن حس موجود للبيان المتقدم، وبضم اصالة الحس العقلائية يتعين الحكم بكون منشأها الحس.
2- ما اشير إليه في كثير من الكلمات من ان توثيقات المتقدمين وانسلم نشوئها عن حس ومن باب نقل ثقة عن ثقة وكابر عن كابر إلاّ ان النجاشي مثلاً حينما يوثق شخصاً لا يذكر اسماء سلسلة من يستند إليه في نقل التوثيق، ومع عدم ذكره لاسمائهم يكون اخباره عن الوثاقة بمثابة الخبر المرسل، وهو ليس حجة.
وان شئت قلت: ان النجاشي نفسه لو كان ينقل حكماً شرعياً عن الإمام بواسطة سلسلة من الثقات من دون اشارة لأسمائهم فهل يقبل نقله؟كلابل يكون اخباره مرسلاً وساقطاً عن الحجية لاحتمال ان احد رجال السندله جارح.
فاذا كان اخبار النجاشي لا يقبل في باب الأحكام إذا كان مرسلاً ومن دون تصريح باسم السلسلة فيلزم ان لا يقبل إذا نقل الوثاقة بشكل مرسل أيضاً لعدم الفرق.
وهذا الاشكال ظريف وقوي حتى قال البعض ان من قدَّم لي حلاً له قدَّمت له جائزة وكنت له شاكراً ().
والجواب عنه على ضوء ما تقدم: ان وثاقة امثال هؤلاء يمكن ان تكون واضحة كوضوح وثاقة الشيخ الأنصاري والآخوند عندنا، ومع هذا الوضوح لا تكون شهادة النجاشي بوثاقة زرارة اخباراً عن حدس حتى يرد الاشكال بلزوم رفضها لاستنادها إلى الحدس كما ولا تكون من باب اخبار شخص عن شخص ليكون اخباراً مرسلاً بعد جهالة الواسطة بل لشق ثالث غيرهما وهو الوضوح فيندفع الاشكال.
و إذا قيل بان الوضوح لا يمكن ان يكون هو المنشأ للإِخبار و إلاّ فكيف نفسر الاختلاف الحاصل بين الشيخ والنجاشي في بعض الحالات فالشيخ قد يوثّق شخصاً والنجاشي يضعفه أو بالعكس.
كان الجواب: ان هذا الاختلاف لا يدل على عدم الوضوح، ففي زماننا هذا قد أختلف انا وأنت في شخص معين معاصر لنا فأحدنا يوثقه والآخر يفسقه وكل منا يرى وضوح ما يدعيه.
هذا ما قيل في دفع الاشكال المذكور ونعود ان شاء الله تعالى له ثانيةعند التحدث عن النقطة الثالثة المتكفلة للبحث عن الوجه في حجية قولالرجالي.
3- نص أحد الأعلام المتأخرين
وقع الاختلاف بين الأعلام في ان توثيقات المتأخرين ـ كالعلاّمة وابن طاووس وابن داود والشهيد الثاني ـ هل هي مقبولة أو لا؟المعروف قبولها إلاّ ان البعض كالسيد الخوئي وآخرين اختاروا العدم.
ولكل من الرأيين توجيهه الخاص.
توجيه عدم حجية توثيقات المتأخرين
اما من رفض قبول توثيقات المتأخرين فاستدل على ذلك بان توثيقات مثل العلاّمة لا تخلو من احد أمرين فاما هي مستندة إلى توثيقات المتقدمينلو كان لهم توثيق أو هي مستندة إلى الحدس والاجتهاد لو لم يكن للمتقدمين توثيق، وليست هي ناشئة من الحس والعثور على بعض الكتب الرجالية التي لم يعثر عليها المتقدمون.
والوجه في عدم نشوؤه عن حس: ان السلسلة قد انقطعت بعد الشيخ الطوسي، واصبح كل من ينقل من بعد زمان الشيخ الطوسي شيئاً من التوثيق أو التضعيف معتمداً على الشيخ نفسه.
ومما يؤكد ما نقول ان المتأخرين لو كان لهم طريق وسلسلة لا تمرُّ بالشيخ الطوسي لذكروا ذلك الطريق والحال انا نجد ان كل ما لديهم من طرق تمرُّ بالشيخ الطوسي، فالعلاّمة الحلي في اجازته الكبيرة لبني زهرة() يذكر طرقه إلى جميع الكتب التي ينقل عنها وجميعها ينتهي إلى الشيخ الطوسي (قدس سره).
وهذا مما يدلل على عدم وجود طريق مستقل للعلاّمة يغاير طريق الشيخ الطوسي.
هذا مضافاً إلى استبعاد وجود طريق مستقل للمتأخرين لا يمر بالشيخ الطوسي فانه لو كان لا طلع عليه الشيخ نفسه.
توجيه قبول توثيقات المتأخرينوفي مقابل ما تقدم استدل اصحاب الرأي الآخر بان من المحتمل قوياً عثور مثل العلاّمة على بعض الكتب التي يذكر فيها توثيق بعض الرواة لم تصل بيد الشيخ والنجاشي، فكم عثر المتأخرون على ما لم يعثر عليه المتقدمون.
فهذا ابن ادريس قد عثر على بعض الاُصول الاربعمائة واستخرج منها بعض الأحاديث والفَّ منها القسم الأخير من كتابه المسمى بمستطرفات السرائر.
والسيد رضي الدين ابن طاووس عثر على قسم آخر منها وسجل بعض ذلك في كتابه المسمى بكشف المحجة.
وفي عصرنا الأخير عثر السيد محمد الحجة المعروف بالسيد الكوهكمري على ستة عشر اصلاً قام بطبعها تحت عنوان الاُصول الستة عشر.
وينقل الشيخ النائيني في اجود التقريرات ج2 ص93 انه كان عند المحدث الشيخ ميرزا حسين النوري ما يقرب من خمسين اصلاً.
و إذا كان هذا ثابتاً في الاُصول الأربعمائة فمن الممكن حصولمثله في الكتب الرجالية أيضاً فيعثر على بعضها المتأخرون دونالمتقدمين.
واما دعوى انه لو كان هناك طريق للمتأخرين إلى تلك التوثيقات لا يمرُّ بالشيخ الطوسي لكان نفس الشيخ الطوسي مطلعاً عليه فهي مدفوعة بان لازم ما
ذكر الاشكال في توثيقات الشيخ نفسه لبعض الرواة إذا وثّقهم هو فقط دون النجاشي أو بالعكس، فانه لو كان هناك طريق قد عثر عليه أحدهما فمن اللازم اطلاع الثاني عليه.
الصحيح من الرأيين
والصحيح في نظرنا هو الرأي المنكر لحجية توثيقات المتأخرين.
ونركز حديثنا حول توثيقات العلاّمة الحلي الذي هو أهم المتأخرين في هذا المجال، ومن خلال ذلك يتضح الحال في توثيقات غيره من المتأخرين.
وفي البداية نلفت النظر إلى ان الموارد التي اختص فيها العلاّمة بالتوثيق من دون مشاركة الشيخ الطوسي أو النجاشي اياه نادرة جداً.
وعليه فثمرة هذا البحث تختص بهذه الموارد النادرة، إذ في موارد الاشتراك يحكم بالتوثيق من جهة شهادة الشيخ أو النجاشي بلا حاجة إلى التشبث بتوثيق العلاّمة.
والوجه في عدم حجية توثيقات العلاّمة: ان الاعتماد على شهادته اما من جهة جريان اصالة الحس في حقه بعد احتمال استناده إلى الحس أو من جهة كونه من أهل الخبرة.
وكلاهما قابل للتأمل.
اما الأول: فلعدم الجزم بانعقاد سيرة العقلاء على الاعتماد على اصالة الحس في حق مثل العلاّمة الذي تلّوح كثير من كلماته اعتماده على الحدسفي التوثيق.
وعلى سبيل المثال نراه في ترجمة إبراهيم بن هاشم يقول: «لم اقف لأحد من أصحابنا على قول في القدح فيه ولا على تعديله بالتنصيص. والروايات عنه كثيرة. والارجح قبول قوله».
ان التعبير بجملة «والأرجح قبول قوله» بعد اعترافه بخلو الكتب الرجالية من التوثيق يدل على اعمال الحدس والاجتهاد.
ويقول في ترجمة إبراهيم بن سليمان بن عبد الله «ضعّفه ابن الغضائري... والنجاشي وثّقه كالشيخ فيحنئذ يقوى عندي العمل بما يرويه».
ان تعبيره بـ «يقوى...» بعد اعترافه بتعارض الجرح والتعديل يدل على اعماله الاجتهاد والحدس.
ويقول في ترجمة اسماعيل بن مهران: «والأقوى عندي قبول روايته لشهادة الشيخ ابي جعفر الطوسي والنجاشي له بالثقة».
وفي ترجمة ادريس بن زياد يقول: «الأقرب عندي قبول روايته لتعديل النجاشي له.
وقول ابن الغضائري لا يعارضه لأنه لم يجرحه في نفسه ولا طعن في عدالته».
وفي ترجمة أحمد بن اسماعيل بن سمكة يقول: «لم ينص علماؤنا عليه بتعديل ولم يرد فيه جرح، فالأقوى قبول روايته مع سلامتها عن المعارض».
إلى غير ذلك من الموارد التي هي ظاهرة في اعماله الاجتهاد والنظر كما نعمل نحن ذلك في توثيق بعض الرواة.
واما الثاني: وهو الاعتماد عليه من باب كونه من أهل الخبرة ـ فلانا لا نسلم بزيادة خبروية العلاّمة علينا بدرجة تصحح صدق عنوان أهل الخبرة عليه، فان العنوان المذكور انما يصدق على الشخص فما لو غاص في الكتب والمكتبات وتوصل إلى ما لم نتوصل إليه، اما إذا نظر إلى مقدار محدود من الكتب لا يزيد على ما وصل الينا ـ غايته اعمل رأيه كما نعمل نحن رأينا احياناً ـ فلا يصدق عليه ذلك، فهل من الحق ان نحكم بخبروية العلاّمة حينما اعتمد على إبراهيم بن هاشم عندما قال: «لم اقف لأحد... والأرجح قبول قوله» أو حينما اعتمد على إبراهيم بن سلامة حينما قال: «وكيل من أصحاب الكاظم (عليه السلام) لم يقل فيه الشيخ غير ذلك. والأقوى عندي قبول روايته».
ان العلاّمة غالباً ما وبدرجة 90% يعتمد على توثيقات الشيخ النجاشي، وفي غيرها يعتمد على اعمال الحدس، ومثل ذلك لا يصحح صدق الخبروية عليه لأننا نملك ذلك أيضاً دون أي فارق.
و إذا قيل بان العلاّمة كانت عنده كتب رجالية لا نملكها نحن من قبيل رجال ابن الغضائري أو رجال العقيقي أو رجال ابن عقدة فكيف لا تكون لهميزة علينا.
كان الجواب ان وصول مثل الكتب المذكورة للعلاّمة غير مهم، لأن رجال ابن الغضائري لا نطمئن بوصول نسخة صحيحة وبطريق معتبر إليه، كيف والشيخ الطوسي ينقل في مقدمة الفهرست ص 2 ان ابن الغضائري قد «عمل كتابين أحدهما ذكر فيه المصنفات والآخر ذكر فيه الاُصول واستوفاهما على مبلغ ما وجده وقدر عليه غير ان هذين الكتابين لم ينسخهما أحد من اصحابنا واخترم هو (رحمه الله) وعمد بعض ورثته إلى اهلاك الكتابين وغيرهما من الكتب على ما حكى بعضهم عنه».
واما رجال السيد علي بن أحمد العقيقي الذي هو اسبق فترة من الشيخ الطوسي فلا يصلح للاعتماد عليه لان العلامة ذكر السيد العقيقي في القسم الثاني من كتابه الذي خصصه لذكر من لا يعتمد عليه.
واما رجال ابن عقدة فقد كان موجوداً لدى الشيخ والنجاشي واستفادا منه كل ما فيه ولم يبقيا للعلاّمة شيئاً يمكنه من خلاله اكتساب عنوان الخبروية وتميّزه بذلك علينا.
اصالة العدالة في كلمات العلاّمة الحلي
قيل بان توثيقات العلاّمة يمكن التأمل في قبولها من ناحية انه يعتمد في بعض توثيقاته على أصالة العدالة، أي ان الأصل في كل إمامي لم يرد فيه تضعيف ولا توثيق هو العدالة.
وحيث اننا لا نقبل الأصل المذكور فلا يصح لنا الاعتماد على توثيقاته.
واُستشهد لاعتماده على أصالة العدالة ببعض المواضع من كلامه: ـ
1- ما ذكره في ترجمة إبراهيم بن هاشم ص 4 حيث قال ما نصه: «ولم اقف لاحد من اصحابنا على قول في القدح فيه ولا على تعديله بالتنصيص. والروايات عنه كثيرة. والأرجح قبول قوله».
ان حكمه بارجحية قبول قوله لا يتم إلاّ بناء على أصالة العدالة وثبوتها في حق من لم يرد في حقه ضعف ولا توثيق.
2- ما ذكره في ترجمة أحمد بن إسماعيل بن سمكة ص 17 حيث قال ما نصه: «ولم ينص علماؤنا عليه بتعديل، ولم يرد فيه جرح، فالأقوى قبول روايته مع سلامتها عن المعارض».
أقول: لعل أول من عُرف بتبنيه لأصالة العدالة هو ابن الجنيد، فان الشيخ الأعظم في رسالة العدالة الملحقة بآخر المكاسب وفي ص 326 ذكر ان أحد معاني العدالة كونها بمعنى الإسلام وعدم ظهور الفسق حيث قال: وهو المحكي عن ابن الجنيد والمفيد في كتاب الاشراف والشيخ في الخلاف مدعياً عليه الاجماع.
هذا وعبارة العلاّمة في الموضعين المذكورين ليست صريحة في الاستناد إلى اصالة العدالة.
وله عبائر اُخرى اوضح تدل على عدم اعتقاده باصالةالعدالة نذكر منها: ـ
قوله في ترجمة اسماعيل بن الخطاب ص 10 بعد ان ذكر ورود رواية يترحم فيها الإمام (عليه السلام) على إسماعيل بقوله رحم الله اسماعيل بن الخطاب: «ولم يثبت عندي صحة هذا الخبر ولا بطلانه فالاقوى الوقف في روايته».
فلو كان يبني على أصالة العدالة فلماذا الوقف في روايته.
وقوله في ترجمة أحمد بن حمزة ص 18: «روى الكشي عن حمدويه عن اشياخه قال كان في عداد الوزراء، وهذا لا يثبت عندي عدالته».
وقوله في ترجمة بشير النبال ص 25: «روى الكشي حديثا... ليس صريحاً في تعديله فانا في روايته متوقف».
وقوله في ترجمة ثوير بن أبي فاخته ص 30 بعد نقل حديث في حقه: «وهذا لا يقتضي مدحاً ولا قدحاً فنحن في روايته من المتوقفين».
إلى غير ذلك من الموارد التي يمكن العثور عليها بالتتبع في كلماته.
بل ان منهجته الخاصة لكتابه تدل على عدم اعتقاده باصالة العدالة حيث قسم كتابه إلى قسمين ففي القسم الأول يذكر من يعتمد على روايته وفي القسم الثاني يذكر من لا يعتمد على روايته اما لثبوت ضعفه عنده أو للاختلاف في توثيقه وتضعيفه أو لكونه مجهولاً عنده.
انه بناء على اعتقاده باصالة العدالة لا معنى لذكره مجهول الحال في القسم الثاني الذي خصصه لمن لا يعتمد على روايته بل لا بدَّ من ذكره في القسم الأول.